جدلية الأرض والتاريخ و الحلم العربي

جدلية الأرض والتاريخ و الحلم العربي

بقلم:عبدالعزيز حسين علي 

لم تنفك أدبيات الديانات الإبراهيمية الثلاثة في مروياتها عن تقديس هذه الأرض( فلسطين ) ومدينة القدس على وجه التحديد لا سيما الديانة اليهودية التي تعتبر أن هذه المدينة هي أقدس بقاع الأرض ويعود ذلك إلى الإعتقاد بأن النبي داوود (ع) والد سليمان (ع) اتخذها عاصمة لدولة إسرائيل الموحدة حوالي ١٠٠٠ ق. م وأن إبنه سليمان قام ببناء أول هيكل فيها بحسب التوارة. 

أما الديانة المسيحية فهم يقدسون هذه الأرض كونها المسرح الذي جرى عليه صلب #يسوع بعد ٤٠ سنة من ميلاده بحسب عقيدتهم وكذلك أيضا لضمها #كنيسة_القيامة الشهيرة التي تعتبر أقدس الكنائس عندهم وتعود أهميتها لاعتقادهم بأنها بُنيت على الصخرة التي صُلب عليها المسيح عيسى إبن مريم (عليهما السلام).

أما المسلمون فيعتبرونها ثالث أقدس المدن من بعد مكة المكرمة مكان بيت الله الحرام والمدينة المنورة مرقد النبي محمد (ص)؛ ويسمونها أولى القبلتين لأنهم كانوا يتوجهون إليها في الصلاة بدايةً؛ قبل أن تكون الكعبة هي القبلة فيما بعد بحسب القرآن الكريم. 

صراعات الحضارات قديما من أجل السيطرة والنفوذ كان في أشده فبحسب المرويات أن شعب اليهود في ( يهوذا) كان متمردا على سلطة الملك البابلي نبوخذ نصر الذي قام بحملة عسكرية ضدهم جرى على إثرها السيطرة على أورشليم(القدس) وتدمير الهيكل وسبي اليهود والمجيء بهم إلى #بابل ٥٨٦ ق.م. وجرى فيما بعد أيضا حملات عديدة تعرض على إثرها اليهود للقتل والسبي الأمر الذي دعاهم إلى وضع كتابهم المقدس(التوراة) حفاظا على كيانهم الديني. 

ربما أن هذه الأحداث التاريخية التي يؤمن بها اليهود إيمانا كاملا و يبنون عليها مواقف عديدة هي السبب في تعزيز السلوك العدائي المتسم بصبغة الانتقام من الآخر وتمسكهم في هذه الأرض دون وجه حق في إنصاف الآخرين ممن لديهم ايضا جذور فيها ومشاركتهم العيش بسلام كديانة لا كدولة وكيان سياسي.

أن الماكنة الشريرة التي عملت بكل ما تمتلك من جهود على ما آلت إليه الأمور في ما يعرف بوعد بلفور عام ١٩١٧ الفعل الذي أدى إلى  إستفزاز وتأجيج الروح الوطنية بالتمسك بالأرض من قبل العرب والفلسطينيين بأن يتم تأسيس دولة جديدة على حساب كيانهم البشري المتماسك و وجودهم المادي و المعنوي حقيقي الملتصق بهذا المكان فظهر مفهوم( الأرض المغتصبة)

وجرت أنهار من الدماء ظلما وتعسفا ضد الأبرياء وكل بما يعتقد لدواعٍ تاريخية لا نعلم مدى صحتها أصبحت مثارا للنزاع والخلاف والقتل والتهجير؛ ومن العجب أن حملات تنقيب آثارية عديدة قام بها اليهود للبحث عن بقايا هيكل سليمان في ستينيات القرن الماضي بائت بالفشل حيث يقول عالم الآثار اليهودي (إسرائيل فلنكشتاين) "أن علماء الآثار لم يعثروا على أي شواهد أثرية تدل على أن الهيكل كان موجودا بالفعل ، واعتبر أن فكرة وجود الهيكل هي مجرد خرافة لا وجود لها ، وأن كَتَبَة التوراة أضافوا قصصا لم تحدث" .

وذكر هذا أيضا غيره من علماء الآثار الذين شاركوا في الحفريات تحت المسجد الأقصى ، فقد صرح عالم الآثار الأمريكي (غوردن فرانز) "أنه لا توجد دلائل على وجود الهيكل في هذا المكان (أسفل المسجد الأقصى)...".

فمن اتعس الأمور هو بناء الواقع على قصص وأحداث تاريخية غابرة لا دقة لها نجعل منها تأصيلا في طرح موقف معين أو ممارسة سلوك محدد في تعاملنا مع الآخر وهنا لا أعني فقط اليهود بل كل الديانات سواء أكانت فردية أو جماعية. 

غير أنه من الملاحظ والواضح جدا في سلوك هذه الجماعة ( الإسرائيليون ) أن العدائية لديهم صفة تتمثل بصورة فردية مرة وبصورة جماعية مرة أخرى وكأنهم ادمغتهم معبئة بالحقد والكراهية لأي فئة يعتقدونها ضدهم بغض النظر عن عناصرها من الأبرياء أكانوا أطفالا رضع او صبيانا يلعبون والشواهد على ذلك كثيرة وعديدة. 

ففي رمضان عام ١٩٩٤ قام طبيب يهودي إسمه #باروخ_جولدشتاين بجريمة مروعة في #الحرم_الإبراهيمي بمدينة الخليل الفلسطينية حيث قام هذا المجرم بإطلاق النار على جموع المصلين عند أدائهم صلاة الفجر واوقع العشرات بين شهيد وجريح ؛ فضلا عن ما تقوم به السلطات الإسرائيلية من تجاوزات واعتداءات بدون وجه حق او شرعية لها سند في الأديان او الأعراف وما كان من الفلسطينيين سوى رد الفعل كما يحدث الآن إبان تداعيات #حي_الشيخ_جراح وما يدور اليوم من تدمير وقتل وترويع الأبرياء الصغار الذي تجدهم في بعض المواقف وكأنهم رجالا وقادة فداءً لتراب أقدامهم حكام العرب البائسين. 

البيئة التي جعلت البطولة تولد مع الأجنة وفي الشرف العالي ومرايا ضمائر البشرية لا تبصرهم إلا على انهم مظلومين. 

 إن ما يثير الحزن الشديد اليوم في نفوسنا تلك الأيديولوجيات الشرقية والغربية التي جعلت من البعض يتجرد من قضية العرب الأصلية وهي نصرة شعب فلسطين او على أقل تقدير من حيث المبدأ الإنساني مناصرة المظلوم وهو يعاني أشد أنواع القهر والخذلان  وكأننا استيقضنا من حلمنا العربي الي كنا نردده عبر الأجيال.

إنها مسؤولية جسيمة أمام الضمير الإنساني في تحديد الموقف و التصدي للشر والطغيان ولو بالكلمة فما يحدث اليوم هو أمر جلل يجعل الولدان شيبا عالم مليء بالظلم والمكر والخداع والوباء والشر فعلى ماذا نحن بعد ذلك مقبلون؟؟!